كيف تحل الطمأنينة في القلب
عادل بن عبد العزيز المحلاوي
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وبعد:
فإن الأمر الذي اجتمع عليه الناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم ,غنيهم وفقيرهم , شريفهم و وضيعهم , هو طلب الطمأنينة وتمني نزول السكينة في القلوب .
ربما ألم بأحدهم مرض , فلا يسعى بإزالته وتحمل وصبر وفي أحيانا كثيرة كتمه في نفسه , أما إذا حل بساحته ضيق واجتمع على قلبه غم فلا تسل عن حاله وحال من يعيش معه من أسرته والقريبين منه , ولقد جاء الدين الإسلامي العظيم لنفع الناس ومتى ما أخذوا بتعاليمه عاشوا حياة السعداء , وكانوا من أبعد الناس عن الهموم والغموم , ولعلي أن أضع أسباباً هي كفيلة - بإذن الله - بنزول السكينة في القلب , وحلول الطمأنينة في النفس , مستنيرا بتعاليم هذا الدين العظيم : ومن أهم الأسباب , وأعظمها أثرا هو :
1- الإيمان بالله تعالى والرضا به ربا ومدبرا لعبده :
فمن آمن بالله حق الإيمان وعرفه بأسمائه الحسنى ,وصفاته العلى ,عرف ربا كريما , وإلاها عظيما ,رحيما بالعباد , لطيفاً بالخلق , قريبا ممن دعاه , مجيبا للسائلين , عليما بالخفايا .
يقول عليه الصلاة والسلام ( ذاق طعم الإيمان ، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا) أخرجه مسلم .
إن ألذ ما في الحياة هو الإيمان بالله تعالى , وهو الأساس في حلول الطمأنينة في القلب,والسكينة في النفوس , ولكن المؤمنين تتفاوت درجة إيمانهم , وأرفعهم درجة من امتلأ قلبه رضا بربوبية الله تعالى , وكان مع الله وبالله ولله في كل شأن من شؤونه , لقد فقه السلف الصالح هذه المسألة فطمأنت نفوسهم , وسكنت قلوبهم .
قال عبد الواحد بن زيد : الرضا : باب الله الأعظم ، وجنة الدنيا ، ومستراح العابدين . (6/56)تاريخ بغداد.
فاسع جاهدا - أيها المؤمن - في زيادة إيمانك بكثرة الطاعات والقربات وسترى أثراً عظيماً في نزول الطمأنينة - بإذن الله - .
وهي دعوة لغير المسلمين هنا ممن يعيشون الشقاء الحقيقي أن يتعرفوا على هذا الدين الذي هو كفيل بتبديل ذلكم الشقاء إلى سعادة , والضنك إلى الحياة الطيبة , لقد بين الله تعالى هذه الحقيقة للأبوين الكريمين (آباء البشر جميعا مؤمنهم وكافرهم) بقوله تعالى : ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ) ( طه126:123)
2- تفويض الأمر لله ويقين العبد أن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه:
إننا لفرط جهلنا لا ننظر إلا في الحاضر من الأقضية التي يقضيها الله تبارك وتعالى , حتى إذا توالت الأيام , وانكشف لنا بعض المكنون في مستقبلها قلنا الحمد لله على ذلك القضاء الذي قضاه الله وكنا له كارهين.
كم من شاب تمنى أن لو تزوج تلك الفتاة التي رغب بها ولكن حال بينه وبينها قضاء الله تعالى وقدره , حتى إذا ما إذا ما تزوج بغيرها وكانت السعادة تسكن بيته قال عندها: الحمد لله على هذا القضاء.
وكم من تاجر رغب في تجارة وتأسف على فواتها حتى إذا ما أظهرت الأيام خسارة مثلها من المشاريع حمد الله أن صرفه عنها ,أعرف أخا كريما كان ينوي الدخول في الأسهم وحال بينه وبين الدخول فيها حائل ونجاه الله من مغبة الخسائر التي اصطلى بنارها الكثير... في سلسة من القصص والصور , التي يجب عندها أن يكون العبد ريا منشرحا صدره عند كل قضاء يقضيه الله عليه مما يكره ,
أنا الفقير إلى رب البرياتِ ٭٭٭٭ أنا المسكين في مجموع حالتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ٭٭٭ والخير ان يأتينا من عنده يأتي
لا استطيع لنفسي جلب منفعةً ٭٭٭ ولا عن النفس لي دفع المضرات
وليس لي دونه مولى يدبرني ٭٭٭ ولا شفيع إذا حاطت خطيئاتي
إلا بإذن من الرحمن خالقنا ٭٭٭ إلى الشفيع كما قد جاء بالآياتِ
ومن أعظم الأسباب:
3- حسن الصلة بالله , والإنطراح بين يديه , ودوام الخضوع له .
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة) أخرجه أبو داود , وصححه أحمد شاكر كما في مقدمة عمدة التفسير(1/110)
إنها \"الصلاة \" ملجأ المتقين , وملاذ المؤمنين , بها الثبات عند الملمات , والطمأنينة عند نزول الكريهات .
أعرف رجل مات أكبر أبنائه في حادث عند بلوغ أشده – وكل أب يعرف منزلة الابن في هذا السن – فلما بلغه الخبر حمد واسترجع وقام يصلي إلى الصباح فنزل عليه من السكينة والطمأنينة ما جعله متحملا لهذا الخطب , جبلا عند هذا البلاء .
ومن أسباب الطمأنينة ونزول السكينة على القلوب:
4- استشعار قرب الفرج عند حلول المحن ونزول البلايا :
فالعاقل يعلم أن دوام الحال من المحال, وأن المرء متقلب بين الضراء والسراء والواقع يشهد أنه ما من نازلة إلا ارتفعت عن أصحابها فلِم هذا اليأس ,وكيف يسيطر القنوط على القلوب , فأبشر بزوال كل هم , وأيقين بتحول كل مكروه .
دع الأيام تفعل ما تشـــاء وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجـــزع لحادثة الليالي فمـــا لحوادث الدنيا بقاء
تأمل معي قول الله تعالى ( فإن مع العسر يسرا *إن مع العسر يسرا)(الشرح6:5) لترى بشارتها للمكروبين والمهمومين , يقول الشيخ السعدي عند هذه الآية :
وقوله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق:7)وكما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا) اسناده حسن احمد.
وتعريف \"العسر\" في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير \"اليسر\" يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين.
وفي تعريفه بالألف واللام، الدالة على الاستغراق والعموم يدل على أن كل عسر ـ وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ ـ فإنه في آخره التيسير ملازم له.